تصعب الكتابة عن شخص بهذا الألق و هذا الحضور , و يصعب الأمر أكثر إن كنت من المقربين إليه ,لأنك تعلم وتدرك أنك تكتب عن شخص ٍ استثنائي , له من الفرادة الكثير و له من الدفء و النقاء الإنساني الكثير . ولد الشاعر سنة 1924 ومثله مثل الكثيرين من أبناء جيله الذين لم يحظوا بأهل ٍ أثرياء ليتابعوا تعليمهم لمراحل متقدمة , سعى جاهدا ً لينال من العلم قدر ما استطاع وكل ما حصله كان من جهده الخاص ورغبته الدائمة بالتطور والمعرفة العميقة , مستفيدا ً من كم هائل من التراث الإنساني الذي غذاه وغذى مكتبته الخاصة , وقد كان و بشهادة أهل الاختصاص من المبدعين , مثله في ذلك مثل أخيه فؤاد سليم الذي كان من رواد المسرح السوري كتابة وإخراجا ً وتمثيلا ً . عمل في النجارة العربية منذ صغره و أصبحت مهنته الأساسية التي يعتاش منها و أسرته .
التزم منذ يفاعته بقضايا الوطن و الإنسان , كان قريبا ًدائما ً من الناس
يتحسسّ أوجاعهم و يفرح لأفراحهم , فكم من شخص ٍ رثاه بمأتمه و كم من عروس ٍ
صاغها بأحلى الكلام و القصائد . وما كانت تمر ّ مناسبة في حياة الناس ,إلا
وينتظرون من نظير بطيخ قصيدة ً تعبر عن موقف أو رأي . وهكذا يمكن
اعتبارشعره تأريخا ً أدبيا ً للأحداث الوطنية السياسية والاجتماعية ,
فقصيدة عن شعب فييتنام البطل
انْتصارك في سجلّ المجد آية ... حصيلة صبر مافت ّ العزيمة"
." تحيّةْ حبّ من أصْدق نوايا ... إلى فييتنام والجّيش المظفّر
، و أخرى عن حرب كوريا
يا أمة كوريا الحرة الأبية...إلك من شعب سورية تحية"
" عيون الناس تتطلع عليكي...بكفاحك ضدّ أرباب الأذيّة
, وعن بطولة جول جمال
يامجد بالله أطراف الأرض انجبتْ"
." اروي لنا خبار عن جول البطل انجبتْ
, عن القدس عن انتفاضة الشعب الفلسطيني وغير ذلك .
يا قدس بعدا محبتك فينا...قوة و صمود و بأس تعطينا"
." يا قدس بعدا أنّة الأجراس...للمعركة للثأر تنخينا
كتب في مختلف فنون الشعر الزجلي , وأبدع حتى لا يجاريه زجال في زمانه , في
نظم الموال البغدادي ( ويسمى الزهيري أو السبعاوي ) , وهو فن انقرض أو كاد
في أيامنا , ويتطلب مهارة عظيمة في صوغ القوافي التامة السليمة بلا افتعال
أو قسر , وفي سوق التعابير البليغة المترابطة , حتى لا تقل بلاغته عن أرقى
فنون الشعر الفصيح . كان البغدادي ينظم للغناء , بينما جعله نظير ضرباً من
ضروب الأدب المقروء والشعر . ويكون على بحر البسيط .
يتألف البغدادي من ثلاثة أشطر تجري على قافية تامة واحدة , يعقبها ثلاثة
أشطر من قافية أخرى , ثم تأتي القفلة من نفس القافية الأولى ليتم بها
المعنى بوقع شعري أخاذ . أغراض البغدادي كانت في الفخر والوطنية والمديح
والغزل والرثاء وربما الهجاء البريء بغرض الدعابة والمنافسة الشعرية فحسب .
إن القراءة السليمة للبغدادي تتطلب دراية خاصة بفهم القافية حيث يمكن تقطيع
أحرف الكلمة على عدة أوجه لتلبي في كل مرة معنى مختلفا ً ينبغي ألايتكرر
عند الشاعر المتمكن.
الروضة هي من فنون البغدادي تعتمد على نظم سباعيات من عدد حروف الهجاء بحيث
تبتدىء الأبيات السبعة بهذا الحرف وتنتهي به ولهذا فهي تتطلب تمكنا ً جليا
ً من امتلاك ناصية هذا الفن .
المطاول: هو نظم جزل متين بليغ لا يقدر عليه إلا كل متمكن في الشاعرية و
القريحة و إلا كل غني في الخيال و العبارة . و يجري على بحر البسيط , و فق
قواف متعددة , موضوعاته تتنوع من الحماسة و الفخر إلى الرثاء و الغزل و
الوصف . و يكون غناؤه على منوال الشروقي . تراسل نظير مع شعراء حلب الكبار
: القرني و المشهداني و الميرعي , بقصائد المطاول البديعة الجزلة , إضافة
إلى أبيات البغدادي , و لا شك أنها ستصبح مرجعاً لمن سيؤرخ هذا الفن . و قد
حفلت مجلة الأدب الشعبي اللبنانية بهذه المساجلات الودية و الأخوية .
نودّ الإشارة إلى أن الكثير من نتاج هذا الأديب قد تضرر بسبب المياه
الجارفة التي غمرت وادي السايح , حيث كان يحتفظ بجزء من كتاباته في مشغله
الصغير للنجارة , الذي كان يقع في آخر نزلة الحميدية بحمص , و الذي كان
أقرب إلى المنتدى الأدبي حيث يجتمع الكثير من أصدقائه و رفاقه ليسمعوا
عذب الحديث و بلاغة الشعر . وقد قام الشاعر وهو على فراش المرض بكتابة
الكثير من القصائد و المواويل التي أصابها الأذى , فقد كانت له ذاكرة
عظيمة , حفظ بها جل ّ كتاباته و كانت لنا معينا ً . هذا ما اجتهدنا
لتقديمه إلى جمهور الأدب الشعبي , من نتاج الراحل الكبير نظير سليم بطيخ
. فإذا قصرنا , فقد صح منا العزم .
والسلام